إنَّ غضبَ الأطفال يُعد من أكبرِ التحديات التي تُواجه
الأهلَ مع أطفالهم؛ فالسلوكيات التي تَنتُج عن الغضبِ غالبًا ما تكون شديدةَ البُعد
عن المعايير السلوكية التي يَطمح إليها الأهل. فالطفل الغاضب قد يَضرب، أو يَسُب،
أو يصرخ، أو يأتي بسلوكيات سلبية أخرى تُثير غضبَ الأهل بدورهم، مما قد يدخلُ في
دائرة مفرغة.
وقبل أن نتكلمَ عن الوسائل العملية للتعامل مع الغضب عند
الأطفال، سيُساعدنا كثيرًا أن نتفقْ معًا على أنَّ الهدفَ هو أن نُعلم أبناءنا مهاراتٍ تُساعدهم
على ضبط النفس واستعادةِ هُدوئهم، فالغضبُ يُوقف القدرة على التفكير المنطقيِّ، وإذا ركزنا
تفكيرنا على السلوك السلبي الناتج عن الغضب؛ فإن أيَّ حلول سنلجأ إليها لن تكون
فعالة على المدى البعيد.
وإليكم بعضَ الوسائل العملية للتعامل مع الغضب لدى
الأطفال:
1) علِّمْ أولادك عن المشاعر بصفة عامة. علِّمهم أننا نمر بمشاعر مختلفة في أوقات مختلفة... وأن مشاعرنا هي مثل تقييمنا لموقف ما. وأن الله سبحانه وتعالى قد مَيز الإنسانَ بالمشاعرِ لأنها تُعطي معنا لحياتنا. وأن هناك مشاعرَ مُريحة كالحب، والسعادة، والحماسة، والفخر... ومشاعر أخرى غير مُريحة كالإحباط، أو الحزن، أو القلق، أو الغضب... وأنه لا مشكلة أبدا من أن نشعر بأي شعور على الإطلاق، والمهم هو أن نسمح لأنفسنا بالتفكير قبل أن نتصرف.
2) كنْ قدوةً في تعاملِك مع غضبِك. فليس من المعقول أن نُطالب أبناءنا بضبط النفس والتحكم في غضبِهم إذا لم نكن نحن نقومُ بذلك. أرِ طفلك كيف أنك تأخذ نفَسًا عميقًا لتهدأ قبل أن تتكلمَ أو تتخذَ أيَّ إجراء. يُمكنك أيضا أن تقولَ له حين تَنفعل: "أنا غاضب جدًّا الآن، ولأني أحبك، سنتكلم بعد قليل حين أهدأ".
وعلِّمهم أن الغضب ليس مرفوضا في ذاته، فهو شعور، يُنتجه الدماغ كتقييم لموقف نتعرض له، ويحدث هذا التقييم في جزء من الثانية. بل إن الغضب قد يكون مفيدا في أوقات معينة، مثلا، إذا اعتدى أحد علي، فإن الغضب هو الذي سيدفعني لأدافع عن نفسي، ولكن السلوكيات التي تنبني على الغضب هي التي تحتاج إلى تفكير، وهي التي قد تكون مرفوضة.
2) كنْ قدوةً في تعاملِك مع غضبِك. فليس من المعقول أن نُطالب أبناءنا بضبط النفس والتحكم في غضبِهم إذا لم نكن نحن نقومُ بذلك. أرِ طفلك كيف أنك تأخذ نفَسًا عميقًا لتهدأ قبل أن تتكلمَ أو تتخذَ أيَّ إجراء. يُمكنك أيضا أن تقولَ له حين تَنفعل: "أنا غاضب جدًّا الآن، ولأني أحبك، سنتكلم بعد قليل حين أهدأ".
3)
أقر مشاعر طفلك. فالمشاعرُ تمامًا كحالة الطقس، لا نَستطيع اختيارها،
وعلينا أن نُحْسِن قراءتها والتعامل معها، وعلينا أيضا أن نُعلم ذلك لأبنائنا.
وأسهلُ طريقة لفعل ذلك هو أن نقرها وقت حدوثها، فيمكننا مثلا أن نقول:
"أنا شايفه قد ايه انت غضبان/زعلان من كذا". ولا يعني هذا بالضرورة أننا نُوافق على
السلوك الناتج عن الغضب، ولكننا فقط نُبدي تفهُّمنا ونَبني جِسرًا للتواصل مع
أبنائنا.
4)
علِّم طفلك أن يُعبر عن مشاعرِه بالكلمات. قل لطفلك: "أنا فعلا عايزه أفهم انت غضبان من ايه، وبيساعدني إني أفهم أكتر لما بتستعمل الكلمات عشان تقول لي سبب غضبك/حزنك/توترك". نوع الكلمات التي تشجع بها طفلك على التعبير عن غضبه، فمن المهم جدًّا أن نُعلم أبناءنا أن يُعبروا عن مشاعرهم وأن
نُعلمهم أسماءَ المشاعر المختلفة اللازمة لذلك.
5)
ادْعُ طفلك لاستعادةِ هُدوئه. علِّمه أنه من المفيد أن نأخذ وقتًا للهدوء والتفكير في
حل المشكلة، وعلِّمه أن هذا ليس عقابًا، ويُفضل أن تُجري مع طفلك هذا الحوارَ في
وقتٍ بعيدٍ عن أيِّ انفعالٍ؛ كي يَستطيع أن يَتقبَّلَه، ويُمكن أن تُشجِّعَ طِفلك
على أن يُهيِّئَ لنفسِه مكانًا في المنزلِ من اختيارِه يَستعيد فيه هُدوءه، ويُمكنه
أن يضعَ في هذا المكان ما يُساعده على الهدوء؛ مثل كتابٍ يُحبه، أو دبا، أو أيًّا
كان ما سيُساعده على استعادة هدوئه.
أيضًا؛
فإنَّ من الأساليب الفعالة لمساعدة الأطفال على استعادة الهدوء هو أن نُعلمهم
التنفسَ بعمقٍ مع العدِّ، وقد يُساعد الأطفالَ الأصغرَ سنًّا على التنفس أن يقوموا
بنفخ فقاقيع الصابون.
أو
قد يُساعد أن نُشجعه على أن يَغسل وَجهه عندما يغضبُ، أو أن يُخرج الغضبَ بالقفز
عاليًا، أو بركل الكرةِ حتى يهدأ.
يُمكننا
أيضًا أن نُعلمهم استخدامَ إشارة المرور عند الغضب. فالغضب يُنتج ضوءًا أحمرَ يَجب
أن نَقف عنده لنهدأ، ثم الأصفر للتفكيرِ في حُلول للمشكلة، وأخيرًا الأخضر لنَنطلق
في تنفيذِ الحلِّ ولتقييمه بعد ذلك.
6)
شجِّعه أن يُعبر عن مشاعرِه بطرق إبداعيةٍ. فيمكنه أن يرسم رسمةً تُعبر عن غضبه، أو أن يُخرج
انفعاله في عَجن الصَّلصال، أو أن يكتبَ جوابًا لِمن سبَّب له الغضبَ، يَحكي فيه
عن سببِ غضبِه، وكيف يَتمنى أن يُعامَلَ في المستقبل.
7)
علِّمْ
طفلك أن يُلاحظ التغيرات الفسيولوجية التي تُصاحب الغضب.
فعند الغضب يَرتفع ضغط الدم، وتَتسارع دقاتُ القلب، ومن الممتع والمثير للاهتمامُ
أن نَلفت انتباه أبنائنا لذلك، وأن نُعلمهم أنَّ التفكير أيضا يتأثر عندما نغضب،
وأنه لا يكون فعالًا.
8)
تكلَّمَا معًا في حُلولٍ للمشكلة التي سببتِ الغضب. لتتم الاستفادة من الدرس كاملًا، لا بدَّ من إجراء حوار
بعد الهدوءِ نتحدث فيه عن سبب الغضبِ، ونسأل فيه أبناءَنا عن بدائلَ وطرقٍ إيجابيةٍ
للتعاملِ مع المشكلة، دون الحاجة للتأنيب أو إشعارهم بالذنب.
9)
اِحْكِ لطفلِك قصصًا عن المشاعر المختلفة. فالقصص تفتح مداركَ الأطفالِ، وتزيد وَعيهم وحَصيلتهم
اللغوية التي يَحتاجونها للتعبير عن أنفسهم، وتُعزز السلوكياتِ الإيجابيةَ، وهناك
العديدُ من الكتب التي تَتكلم عن المشاعر عامة، وعن الغضبِ وكيفية التعامُل معه...
كما أنه من المفيدِ جدًّا أن نتكلمَ مع أبنائنا عن صِفة الحلم، وفضل التحلِّي بها،
وأن نحكي لهم قصصًا عن الحلم والصبر والعفو.
10)
استخدم اللعب التمثيلي. إن اللعبَ التمثيليَّ يُعد من أقوى وسائلِ تعديلِ
السلوكِ. فيُمكن أن تدعوَ طفلَك لتمثيلِ موقفٍ يَستدعي غضبَه، وأن تقوما بتقسيمِ
الأدوارِ والتفكيرِ في السيناريو، ثم بتمثيلِ كيفيةِ التعاملِ مع هذا الموقفِ
بطريقةٍ إيجابيةٍ، وهكذا تكونُ قد قمتَ بتدريبه بأسلوبٍ عمليٍّ على كيفيةِ التعاملِ
مع الغضبِ.
وفي النهاية، تذكر أن تعلم ضبط النفس والسيطرة على الغضب مهارة تحتاج إلى الكثير من التدريب والصبر وإعادة التوجيه، تماما كما قد تحتاج أي مهارة تعلمها لأبنائك، فتحلى معهم بالصبر، والتقبل حتى تستطيع أن تعلمهم ما تريده.
وفي النهاية، تذكر أن تعلم ضبط النفس والسيطرة على الغضب مهارة تحتاج إلى الكثير من التدريب والصبر وإعادة التوجيه، تماما كما قد تحتاج أي مهارة تعلمها لأبنائك، فتحلى معهم بالصبر، والتقبل حتى تستطيع أن تعلمهم ما تريده.