مَن منا لا يَشعرُ بالخوفِ في بعضِ الأوقات؟ فالخوفُ شعورٌ إنسانيٌّ نمرُّ به كلنا أحيانًا. والخوفُ إحساسٌ غريزيٌّ وَضَعَه الله -سبحانه وتعالى- ليَحمينا من الأخطار... فالشعور بالخوف هو الذي يدفعنا إلى الهرب أو التأهب للدفاع عند الإحساس بالخطر. ولذلك فرغم عدم الارتياح الشديد والقلق اللذيْنِ يُصاحبان الخوف؛ فإنه في بعض الأحيان قد يكون مفيدًا.
ولنستطيع أن نتعامل مع خوف الأطفال تعاملا صحيحا، نحتاج أولا أن نفهمه وأن نفهم أسبابه المتعلقة بنمو إدراك الطفل وقدرته على الاستيعاب، فالخوف عند الأطفال يمر بمراحل تعكس نمو دماغهم، ونمو قدرتهم على التفكير…
1) فعند 5 شهور: يشعر الأطفال بالقلق من الغرباء.
2) عند 7 شهور: يشعر الأطفال بالقلق من الانفصال عن الأم.
3) عند 18 شهر: قد يخاف الأطفالُ من أشياء جديدة؛ كالكلب في الشارع، أو الأصوات المرتفعة... ففي هذه السن يكون الإدراك العقلي للطفل قد كبر قليلًا، ولذلك قد يُقرر أنَّ بعضَ الأشياء قد تُمثل خطرًا عليه.
4) من 4 إلى 6 سنين: يخافون من أشياء قد تكون خيالية... فالخيال يَختلط بالواقع لدرجة كبيرة عند الأطفال في هذه السن، فمثلا قد يخافون من الوحش في الظلام، أو الأسد في الدولاب. ورغم أن هذه المخاوف قد تبدو غير منطقية بالنسبة إلى الأهل؛ فإنها حقا تمثل مخاوفَ حقيقيةً بالنسبةِ إلى أطفالهم.
5) من 7 إلى 12 سنة: يخاف الأطفال من أشياء حقيقية... كاللصوص، أو الظواهر الطبيعية.
ولنتقبل مخاوفَ أطفالنا بصورة أكبرَ؛ دعونا نتخيلُ عالم الأطفال إذا كان خاليًا من الخوف... فالأطفال –ولأنهم ما زال أمامهم الكثير ليتعلموه– يمتازون بالفُضول الشديد... ففي السنة الأولى مَثلا، لو لم يخافوا من الغُرباء أو من الابتعاد عن الأم؛ لأصبحوا في خطر شديد... وكذلك الأطفال الأكبر سِنًّا؛ فميلهم للاستكشاف دون خوف قد يُعرضهم لمخاطرَ كثيرةٍ... فالخوفُ في مواقفَ كثيرةٍ يُمثل الحاجز الذي يوقف الأطفال من الاندفاع إلى المخاطر.
وإليكم حقيقةً علميةً مثيرةً... اكتشف العلماء من خلال أبحاث الدماغ أنَّ الفص الأمامي بالمخ -المسؤول عن الوظائف النفسية والذكائية العليا- يتوقف عن التفكير عند الشعور بالخوفِ الشديد... أتدرون فيما تُفيدنا هذه المعلومة كآباء أو معلمين؟ أننا عندما نُخيف أبناءنا بأن نصرخ مثلا بشدة في وجوههم؛ نكون قد أوقفنا قُدرتهم على التفكيرِ، وبالتالي نَحرمهم من الاستفادة من الموقف، فيتكرر الخطأ الذي سبَّب انفعالنا... وكثيرا ما نسمع أمهاتٍ يَحكين أنَّ المعلمة صرخت في وجه أطفالهن، وعندما يَسألن أطفالهن عن سبب "زعيق" المعلمة يرُد الطفل: "لا أعلم!" في الحقيقة، غالبا ما يكون الطفل لا يعلم حقًّا لماذا صَرخت فيه مُعلمتُه؛ لأنَّ خوفَه أوقفَ تفكيرَه ولم تعُد لديه القدرة على استيعاب الموقف.
والخوف بصورة عامة يكون سببًا في إرباك التفكيرِ بشكل كبيرٍ، فإذا كانتِ العلاقةُ بين أمٍّ وطفلها قائمةً على الخوفِ، أو إذا اعتمدَ المعلمُ على خوفِ تلاميذِه منه، أو من عقابه ليُسيطر على سلوكهم في الفصل؛ فإن ذلك سيكون أدعى لارتكابهم أخطاء أكثر بسبب ارتباكهم.
أيضا، فإن المخاوف تنتقل من الأهل إلى أطفالهم، فإذا كانت الأمُّ مثلًا تخافُ من القطط؛ فأمر طبيعي أن يَنتقل الخوفُ من القططِ إلى الأطفالِ. وكذلك، إذا شعر الطفل باضطراب أمه عند تركها له في الحضانة، فسينتقل إليه قلقها، وسيَشعر أن هذا المكان يَبعث على الخوف.
وقبل أن نتحدثَ عن الوسائل العملية للتعامل مع الخوف لدى الأبناء؛ علينا أن نتفقَ أن نُجنب أولادنا، وخاصةً الصغار أفلام الكرتون والقصص العنيفة أو المرعبة؛ فالأطفال تحت الأربع أو الخمس سنوات يَختلط الخيالُ لديهم بالواقع لدرجةٍ كبيرة، سيَصعُب معها إقناعُهم بعدم وجودِ الوحوشِ مثلًا. وبالطبع، يجب تفادي نشرة الأخبار إن كان بها أخبار عن أحداث عنف أو كوارثَ طبيعيةٍ؛ فكل ذلك يُثير المخاوفَ لدى الكبارِ، فكيف بالأطفال الصغار؟
وإليكم بعض الوسائل العملية للتعامل مع الخوف لدى الأطفال:
- كن قدوة لأبنائك. كثيرا ما ينتقل الشعور بالخوف من الأهل إلى الأبناء، وقد يكون ذلك مفيدًا إذا كان الخوف في مَحله؛ كالخوف مثلا من الكهرباء، أو السكين الحادة، أو المشروبات الساخنة بالنسبة للأطفال الصغار. بل إننا ننصح الأهل بإظهار الخوف تُجاه هذه الأشياء لإبعادِ الأطفال الصغار عنها، بدلًا من الزعيق أو الضرب إذا اقتربوا منها. ولكنْ لننتبهْ من نقل مخاوفَ لا حاجةَ منها؛ كالخوف من القطط، أو الحشرات، أو من انقطاع الكهرباء؛ فخوفنا سيَنتقل بالضرورةِ لأبنائنا، كما سننقل لهم الشجاعة والثبات، ونبث في نفوسهم الإحساسَ بالأمان والثقة في المواقف التي تستدعي ذلك.
- ادعم طفلك وسانده. فكر: ما الذي تحتاجه أنت الشخصُ البالغُ عندما تشعرُ بالخوف؟ هل تحتاج إلى شخص يَنهرُك؟ أم إلى حضن دافئ ويدٍ حنونة تربتُ عليك؟
- تجنَّبْ كل أنواع الحديث السلبيِّ تمامًا. فالتأنيبُ أو التوبيخ وأيضًا السخرية، كلها وسائلُ غير تربوية مطلقًا، ولا تُساعد أبدًا. وبالطبع عليك أن تتجنبَ الجملَ؛ مثل: "لا تكن جبانًا". أو "الصبيان لا يَخافون هكذا". فهذه الجُمل لها تأثير سلبيٌّ كبيرٌ على الأطفال.
- أقر دائمًا مشاعر طفلك. إن عبارات السخرية؛ مثل "هل أنت ولد صغير لتخاف هكذا؟" وكذلك عبارات إنكار المشاعر؛ مثل: "ليس هناك ما يُخيف". كل هذه العبارات لا تُساعد الأطفال إطلاقًا للتعامل مع مخاوفهم. ومن الأفضل كثيرًا أن نُقر مشاعرَ أطفالنا لنُؤكد لهم أننا نفهمهم ونُقدر مشاعرهم، ولنُشجعهم على التواصلِ المستمرِّ معنا. أيضا، وكما ذكرنا من قبل، فإن الخوف قد يكون مؤشرًا هامًّا على ضرورة الابتعاد عن شيء ما، ولذا فمن المهمِّ أن نُعلمَ أبناءنا أن يثقوا بما تُخبرهم به مشاعرهم عن طريق إقرار المشاعر. ولا يَعني إقرار مشاعر الخوف أننا نُشجعها أو نُثبتها، هو فقط يَعني أننا نهتمُّ. ولإقرار المشاعر علينا فقط أن نقولَ: "أنت خائفٌ من الغرفة؛ لأنها مظلمة"، أو "تشعر بعدم الارتياح إذا اقتربت القطة منك؟".
- أحسن الاستماع لطفلك. من المفيد والمهم جدًّا أن نُحسن الاستماع لأطفالنا؛ لنتمكن من فهم مخاوفهم. فإذا كان طفلك مثلا يَخاف من النوم في غُرفته فاستمع إليه، قد يكون مصدر خوفه أمرًا يستحقُّ أو شيئًا يُمكنك أن تتعامل معه؛ كصوتٍ مثلا يأتي من خارجِ الغرفة، أو قصةٍ مُخيفة سَمِعَها من أحدِ أصدقائه.
- عَلِّمْه أن يُواجه مخاوفه. إذا كان طفلك خائفًا مثلا من ركوب المصعد الكهربائيِّ؛ فلن يُساعده أن تتفادى ركوب المصاعد، ولكن سيُساعده أن تُهدِّئ من رَوعه، وأن تُخبره أنك ستركبُ معه ليكونَ مُطمئنًّا. وإذا احتاج الأمر، يمكنك أن تُؤكد له أنك تعرف جيدًا ما الذي تحتاجُ لفعله إذا تعطل المصعد (احتفظ مثلا برقم شخصٍ يُمكنه المساعدة)، ويُمكنكم أن تعدُّوا المرات التي رَكبتم فيها المصعد ولم يتعطل؛ فهي بالطبع ستكون أكثر من المرات التي تعطَّل فيها المصعد.
- علم طفلك التفكير الإيجابيَّ. قل له: "أنت حقًّا ولدٌ شجاعٌ... أتذكر عندما ذهبنا إلى... لقد كنت شجاعًا جدًّا ذلك اليومَ". وعلِّمْه أن بإمكانه أن يُذهبَ الشعورَ بالخوفِ؛ كأن تقول له: "لا بأس إن كنت خائفًا الآن، ولكنْ يُمكنك أن تُفكر في أنَّ الأمر سيمر سريعًا، فبعد قليل سنغادرُ عيادة الطبيب". "يمكنك أن تفكر في شيء جميل تُحبه. أتذكر حين ذهبنا إلى الشاطئ؟ كمِ استمتعنا بذلك!" ويمكنك أن تقولَ له أيضا: "هيا... أغمضْ عينيك وتخيلْ كل الأشياء الجميلة التي تُفرحك."
- علمه أن يُحدث نفسه حديثًا إيجابيًّا. علِّمه أن يقولَ لنفسه: "أنا شجاع. أنا أستطيعُ أن أتحملَ. أنا بخير. كل شيء سيكون على ما يُرام."
- استخدمِ اللعبَ الخيالي. إن كان الطفلُ يخافُ من الطبيب، فاشترِ له عدة الطبيب، واجعله يُمثل دورَ الطبيبِ، وكن أنت المريضَ الخائفَ، أو إن كان يخافُ من الذهابِ إلى المدرسةِ؛ فيمكنكما أن تلعبا دور الأم التي تُوصل ابنها إلى المدرسة، وتُؤكد له أنها ستعود لتأخذه إلى البيت بعد أن يُمضي وقتًا ممتعًا في التعلُّم، وإن كان يخاف من الوحش تحت السرير؛ فعلمه أن باستطاعته أن يُخيف الوحش وشجِّعْه على تمثيل دور الشجاع الذي يُدافع عن إخوته، ويهزم الوحشَ، ويُمكنك أن تُشجعه على تمثيلِ وجهٍ مخيف وأن تَجعله يراه في المرآة وقل له إن الوحش حتمًا سيَخاف إذا رأى هذا الوجهَ. ويُمكنك أن تُريحه كثيرًا بإعلان البيت منطقةً خاليةً من الوحوشِ، وأن تقومَا معًا بصُنع لوحةٍ يُعلقها فوق بابِ غرفته مكتوب عليها: "ممنوع دخول الوحوش".
- علم طفلك أنَّ الله هو الحافظُ. وأن الله -سبحانه وتعالى- قويٌّ قادرٌ على حِمايته وأنه يُحبه ويرعاه، وعلمه أذكارًا وأدعيةً؛ مثل أذكار النوم، وأن يقول: "بسم الله الذي لا يضرُّ مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء".
وفي النهاية، تذكر أن مخاوف الأطفال تأخذ وقتها وتذهب طالما أنهم وجدوا من حولهم كبارا داعمين لهم يستطيعون أن يتواصلوا معهم، وأن يتفهموا مشاعرهم، وأن يتعالموا معها بحب، وحنان، وحكمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق