السبت، 7 يناير 2017

التربية الجنسية ... خطوة بخطوة (٣)

الأطفال من ٤ - ٦ سنوات
تحدثنا في المقالتين السابقتين عن أهم ما يخص التربية الجنسية للأطفال حتى ٤ سنوات، ونتناول في هذا المقال من سن ٤ – ٦ سنوات. ويحدث تطور كبير للأطفال في هذه المرحلة السنية فتنمو مهاراتهم العقلية، واللغوية، والاجتماعية، ولذا فهناك الكثير لنعلمه لأطفالنا في هذه السن من مهارات تُمكنهم من صنع صداقات وعلاقات صحية، والحفاظ عليها، كما تُمكنهم من الدفاع عن أنفسهم، والتعامل مع التحديات الجديدة التي قد يقابلونها كلما كبر سنهم. وتعد هذه المرحلة السنية هامة للغاية فيما يُقرره الطفل عن نفسه إن كان شخص صالح أم لا، وإن كان يستطيع/يقدر أم لا، أيضا فيما يُقرره عن الآخرين وعن قدرته على الثقة فيهم... ولذلك، فإن وعي الوالدين لاحتياجات طفلهم في هذه المرحلة، وللأساليب التربوية الصحيحة للتعامل مع سلوكياته هام للغاية لأنها تسهم بشكل مباشر فيما تكوين شخصيته، وعلاقاته، ويؤثر على حياته على المدى البعيد.

وكالعادة نبدأ بالحديث عن السمات العامة الخاصة بالتربية الجنسية لهذه المرحلة العمرية، مع العلم بأن هذه السمات هي سمات متوسط الأطفال في هذا السن، وقد يسبقها أو يتأخر عنها بعض الأطفال.
السمات العامة للمرحلة:
-      يمتد الفضول وحب الاستطلاع إلى هذه المرحلة السنية، ويصطحبه الرغبة في استكشاف الحدود والقواعد واختبارها، والذي قد يظهر في استكشاف أجزاء الجسم المختلفة عند الأولاد والبنات.
-      لا يستشعر الطفل بعد فكرة «الحياء»، كما أنه رغم معرفته بالصواب والخطأ، إلا أن الفضول والرغبة في استكشاف القواعد قد يدفعانه إلى أن ينزع لباس نفسه أو لباس أخته، أو حتى أحد زملائه في المدرسة ويمكنك أن تستكمل قراءة المقال من أجل بعض النصائح للتعامل مع هذا الأمر.
-      قد يحتوي لعبهم التمثيلي على تمثيل دور العريس والعروسة، والزواج، وقد يحبون أن يجربوا قبلة الفم بعد رؤيتها في كرتون مثلا (ولذا نؤكد مجددا على أهمية ما نعرض أطفالنا له، وخاصة عبر التلفزيون، والإنترنت).

أمور هامة نُعلمها للأطفال في هذه السن:
1)        نُفهم الأطفال في هذه السن أن الله سبحانه وتعالى قد خلق لهم أجسامهم، وأن عليهم أن يحافظوا عليها بالنظافة وبالأكل الصحي، والملابس المناسبة...
2)        نعلمهم أن أجسام الأولاد تختلف عن أجسام البنات، وأن الله خلق جميع الكائنات من ذكر وأنثى، ويمكننا أن نضرب لهم أمثلة من مختلف الطيور والحيوانات لنجيب على سؤال «ليه الأولاد والبنات مختلفين؟!». كما نعلمهم أن للولد أو للبنت مناطق خاصة مميزة. فكما أن لديه يد، وقدم، وأنف، وأذن، فإن له أعضاء خاصة في جسمه... من الهام أن نتكلم عن الأعضاء الخاصة باحترام، وألا ننعتها بألفاظ غير لائقة مثلما يحدث في كثير من المجتمعات، فإن ذلك قد يُوصل رسالة خاطئة للطفل تجعله يشعر بالخزي منها. فالأعضاء الخاصة جزء من الجسم الذي خلقه الله، ولها أهميتها، ووظيفتها، ونحن نريد أن نوصل الرسالة للطفل بأهمية احترام، والحفاظ على جميع أجزاء جسمه دون استثناء.
3)        نعلمهم أن الله قد ميز الإنسان بأن جعله يستر أعضاؤه الخاصة، وأنه ليس مسموحا لأحد مطلقا أن يمسها أو أن يراها… ومن المهم أن نعلمهم ذلك بهدوء ودون مبالغة حتى لا نثير فضولهم لتجربة شيء لا داعي له... ومن الهام كذلك أن نتعامل بهدوء إذا خرجوا من غرفتهم مثلا بدون ملابس… فالمبالغة في ردود الأفعال قد تثير الفضول حول السلوك الغير مرغوب فيه، وقد تزيد منه. ومن الممارسات الخاطئة التي المنتشرة أن يقوم الأمهات بتغيير ملابس بناتهم أو أبنائهم في تمارين السباحة دون حرص على ستر الطفل، أو على فصل الأولاد والبنات، ويتنافى هذا مع ما نريد أن نغرسه في أبنائنا من حياء، وعفة.
4)        نعلمهم أن هناك لمسات طيبة نعبر بها عن الحب للأهل أو للأصدقاء، كالطبطبة، والسلام بالأيدي، وأن هناك لمسات غير طيبة، كاستخدام الأيدي للضرب، أو أي لمسة أخرى قد تشعرهم بعدم الارتياح.
5)        نؤكد عليهم أن الله قد اختصهم بأجسامهم، وأنه ليس من حق أحد أن يقوم بلمسهم، أو حضنهم، أو تقبيلهم دون إرادتهم. ومن المهم ألا نجبر الطفل على تقبيل أحد طالما أنه لا يرغب في ذلك، وذلك تأكيدا على خصوصية أجسامهم... ولكننا نُعلمهم أن يصافحوا الأكبر سنا عند السلام من باب الأخلاق، والأدب... أما عن الأجداد والجدات، فإننا نستثنيهم فيما يخص القبلات والأحضان، ونعلم أبناءنا أننا نبر آباءنا وأمهاتنا ونحترمهم، وأنهم لمكانتهم لا نمنع عنهم أبدا القبلات والأحضان.
6)        نتحدث معهم عن قواعد عامة للسلامة والأمان عند التعامل مع الغرباء وعند الخروج:
-      أولا، تذكر أنك تريد أن تعلم أطفالك قواعد عامة للحفاظ على سلامتهم وأمنهم، وأن تعلمهم مهارات لتقييم المواقف، ولاتخاذ القرارات، وأن تدربهم على حسن التصرف، وأنك لا تريد أن تتسبب في تكوين المخاوف لديهم. فهناك دائما شعرة بين التعقل والحذر بحكمة، وبين الإفراط في التخويف الذي قد يكون سببا في تكون الوساوس والقلق عند الأطفال.

-      علم الأطفال أن لكل فرد مساحته الشخصية. ونعني بالمساحة الشخصية، المسافة التي نسمح للآخرين بأن يقتربوا منا فيها. ونقرب لهم فكرة المساحة الشخصية بأن نشجعهم على تخيل كرة شفافة يصنعها الطفل بأن يحرك ذراعيه في دائرة حول جسمه. ونعلمهم الحافظ على مساحتهم الشخصية، وخصوصا من الأشخاص الغرباء، كما نعلمهم أن يحافظوا على مساحات الآخرين كالأصدقاء أو إخوتهم أو الأقرباء مثلا.
-      قم بتحفيظ الطفل اسمه بالكامل وعنوان بيته، ورقم هاتف أحد الوالدين إن أمكن.
-      علمه أنه عندما نكون خارج البيت فإن عليه أن يمشي دائما بجانب والديه، وبنفس سرعة خطواتهم.
-      نعلمه أساسيات يقوم بها إذا وجد نفسه تائها… كأن ينادي بأعلى صوته على بابا أو ماما باسمهم «يا بابا فلان» أو «يا ماما فلانة» … وأن يظل في مكانه، وألا يذهب مع أحد لا يعرفه مهما قال له، أو أنه قد يلجأ إلى مساعدة رجل الأمن أو الشرطي عند تمييز زيه. ولزيادة الاطمئنان، يمكننا أن نمثل معهم وكأنهم بالخارج ولا يجدون بابا وماما، والخطوات التي سيقومون بها بداية بالنداء بصوت عالي، وحتى البحث اللجوء لشخص مناسب للمساعدة.
-      نعلمهم قواعد للتعامل مع الغرباء... فنفهمهم أن المقياس لتعريف الأشخاص الصالحين لا يكون فقط بحسن المظهر، والملابس، ولذا لا يجب ألا نتحدث مع أشخاص لا نعرفهم دون ضرورة.

«ماتفتنش على حد!»
الحقيقة أن هذا المبدأ رغم صحته، فإننا لا نعلمه للأطفال في هذه السن بعد.. فالأطفال في هذه السن لا يستطيعون تمييز الأمور الهامة التي يجب أن يبلغوا الكبار عند رؤيتها من غيرها، كما أن من حق الطفل أن يشعر أن الحماية ستكون متوفرة له من الأشخاص الكبار الذين يثق فيهم إذا ما تعرض للأذى من أحد.
-      ماذا أفعل عندما يأتي الطفل لإبلاغي عن فعل ارتكبه أخاه، أو أخته، أو صديقه مثلا؟
عندما يُبلغ أحد الأطفال عن رؤيته طفل آخر يقوم بأمر ما، يمكنك أن تسأله عن رأيه في هذا الفعل، ولماذا يظن أنه خاطئ… ويمكنك أن تشكره على اهتمامه بالقواعد والحفاظ عليها دون مبالغة في رد الفعل… بعد ذلك، قم باتخاذ الإجراءات اللازمة بهدوء بحسب ما يستدعيه الفعل… قد يكون الإجراء المناسب هو أن تخبر الطفل مثلا أن يقوم بنفسه بإسداء النصح لأخته، أو صديقه، وقد يحتاج الأمر تدخلا شخيصا ومباشرا منك. وهكذا تكون قد تعاملت مع الأمر بحكمة، دون إعطاء رسائل خاطئة.

·      مشكلات وحلول:
من الاستشارات المقلقة التي كثيرا ما تأتي من الأمهات للأطفال عند حوالي ٥ سنوات…
كلمتني أم لطفل عنده ٥ سنوات، وقالت إن ابنها قام بتقبيل ابنة عمه التي تصغره بقليل… وكرد فعل منها، وبخته، ونهرته، وحذرته من أن يفعل هذا ثانية! وبعدها علمت الأم من المدرسة أن ابنها قام بتقبيل زميلته في الفصل! ومع الحديث عن دوافع الطفل، اتضح أنه كان قد شاهد هذه القبلة في فيلم، ومن الواضح أنه قرر أن يجربها…
رغم القلق الذي تسببه هذه السلوكيات، فإن التعامل معها بقدرها وقت حدوثها يحدث فرقا كبيرا في الرسائل التي يتلاقها الطفل من والديه والتي تسهم بشكل أساسي في تكوين شخصيته وصورته عن نفسه، كما تحدد إن كان السلوك سيتوقف في حدود المرة الأولى، أم أنه سيتكرر ليصبح سلوكا يصعب التخلص منه… وهذه نصائح عملية للتعامل مع الموقف بالشكل المناسب:
-      تذكر أن هذا السلوك من طفل لم يتجاوز السادسة هو سلوك يعكس فضول الطفل ورغبته في الاستكشاف. والرغبة في استكشاف الممارسات الجنسية تعد من الأمور الطبيعية في هذه السن وخاصة إذا تعرض الطفل لما يستدعي ذلك، ولكن هذا لا يعني مطلقا أن هذا مؤشرا لانحرافه أو ما شابه مما يُقلق الأهل… هو فقط يجرب فعلا رآه بدافع من الفضول، كما قد يجرب لعبة أو غيره.
-      اقترب من طفلك بهدوء، ويمكن أن تسأله بفضول عما يفعله، وإن كان قد شاهد هذه القبلة من قبل، ومتى.
-      أخبره أننا يمكن أن نتبادل القبل على الخدين… وأن تبادل القبلة على الفم ليست من عاداتنا، وأن ذلك أفضل حتى لا نتبادل الجراثيم.
-      أشرف عليه ولاحظه عن قرب قدر الاستطاعة خاصة أثناء لعبه مع الأطفال الآخرين، ويجب ألا تدعه في غرفة منفرد مع طفل/طفلة آخر. وإن كان السلوك يحدث في المدرسة، فعلى الوالدين أن يقوما بالتواصل مع المدرسة للتأكد من أن الأمر يتم التعامل معه بشكل صحي هناك، وأن هناك إشراف كافٍ خاصة في الملاعب والحمامات، والأوقات الفسحة...

إذا تمت الإجراءات بالأعلى بشكل صحيح، فمن المتوقع أن يختفي هذا السلوك، وألا يمتد، وفي المقالات القادمة، نتناول نصائح إضافة للتعامل مع السلوكيات المشابهة التي ق تصدر من الأطفال في السن الأكبر.

كي لا نطيل عليكم، نكتفي بهذا القدر في هذا المقال، على وعد بالمزيد في المقالات المقبلة إن شاء الله. :)