الأطفال من ٦ - ٩ سنوات (الجزء الأول)
أهلا
بكم في هذه المرحلة المميزة
جداً التي تتوسط مرحلة الطفولة في عمر الإنسان، وهي مرحلة يستمتع فيها الوالدين بحصاد
الكثير من المجهود الذي قاموا ببذله في التربية في السنين التي تسبقها، فتصبح صحبة
أطفالهم والحوار معهم شيقة وكثيرة الشبه بصحبة الكبار والحوار معهم، وكأن أصبح لدى
الأم والأب صديقا جديدا يحاورهم ويحب صحبتهم، ويستطيعون الاعتماد عليه في بعض
الأمور، ويأنسون بضحكته البريئة التي قد تخلو من الأسنان لعدة أشهر. وتتميز هذه
المرحلة بأهمية خاصة فيما يتعلق بالقيم والأخلاقيات التي نريد أن ننشأ أبناءنا
عليها... فالأطفال في هذه السن يستطيعون أن يستوعبوا الكثير من القيم، مثل قيمة
العطاء، والصدق، والإيثار، والشجاعة... كما يكونون فيها على استعداد كبير للتلقي
من الوالدين، وتكون لديهم رغبة كبيرة للالتزام بما تعلموه. ورغم أننا نتحدث هنا
تحت إطار التربية الجنسية إلا أن الأمر في الحقيقة يختص بتربية إنسان تربية
متكاملة ليكون إنسانا متزنا له جذور ثابتة من القيم والأخلاقيات يستطيع أن يقوم بحمايتها
بمهارات حياتية أصيلة لا غنى عنها. ولهذا فإن إعطاء الأولوية والوقت لتربية أطفالنا
على القيم خاصة في هذه السن هو من الأمور الهامة جدا... ويأتي دور الوالدين في
المرتبة الأولى حين نتحدث عن غرس القيم، فلن يُعوضه أي برنامج أو نشاط آخر، ولا أحد
يمكن أن يكون له نفس تأثير الوالدين على أطفالهم مهما يكن.
في
هذا المقال، نتناول أهم السمات التي تخص التربية الجنسية للأطفال في هذه المرحلة
العمرية، ويتبع
ذلك في نهاية المقال قصة قصيرة نرى من خلالها كيف نُجري حوارا مع أطفالنا نجاوب
فيه على بعض أسئلتهم الحرجة.
السمات
العامة للمرحلة:
- يصبحون أكثر تمكنا من الاعتماد على أنفسهم في أمور
العناية الشخصية كارتداء الملابس، والاستحمام طالما أننا دربناهم على ذلك.
- يصبح الأطفال في هذه السن أكثر خجلا وحرصا على الحفاظ على خصوصياتهم، ونرى ذلك
في زيادة حرصهم على ألا يراهم أحد وقت ارتداء ملابسهم، وقد يخجل طفلك من أن تُقبليه
أو أن تُعطيه حضنا أمام أصدقائه عندما يبلغ حوالي الثامنة من العمر، وقد يرى أن
ذلك يتعارض مع كونه "رجلا".
- قد يفضلون اللعب مع نفس الجنس، فيُفضل الأولاد اللعب
مع الأولاد، ويستنكرون اللعب مع البنات، ويستنكرون على بعضهم اللعب بألعاب البنات.
والعكس أيضا صحيح، فالبنات يحبون اللعب مع البنات، ويستنكرون على بعضهم اللعب مع
الأولاد أو اللعب بألعابهم.
- قد يحبون الأسرار والاحتفاظ بها، كالاحتفاظ بكراسة
سرية، أو بعلبة فيها مقتنيات خاصة لا يريدون لأحد أن يطلع عليها... وبسبب حبهم
للاحتفاظ بالأسرار، علينا أن نعلمهم أن هناك أسرارا لا يجب الاحتفاظ بها... فهناك
أسرارا جيدة، مثل عمل مفاجأة لصديق أو شراء هدية لبابا أو ماما، وهذه أسرار يمكن
الاحتفاظ بها. وهناك أسرارا أخرى لا يجب الاحتفاظ بها… مثلا، إذا رأى أحداً يقوم
بعمل شيء خاطئ، أو إذا آذاه أحد، فإن عليه أن يخبر أحد والديه، أو أن يقول لمعلمته
في المدرسة... ولا يعني ذلك أننا نعلم أطفالنا أن يقوموا بالفتنة على أصدقائهم، فيمكننا أن نعلمهم كيفية تقدير الأمور لحد ما ليميزوا بين ما يحتاجون أن يُبلغوا عنه الكبار وبين ما يستطيعون أن يقدموا فيه النُصح لأصدقائهم وإخوتهم. من المهم أيضا أن نعلمهم ألا يستمعوا لأشخاص يطلبون منهم إخفاء أمر
ما عن والديهم. ومن القصص الرائعة عن هذا الأمر: قصة: هل لديك سر؟ من سلسلة "هيا
نتحاور معا" وهي قصة مترجمة من مجوعة قصص للأطفال من دار المعارف العالمية
الإبداعية.
- قد تصبح لديهم أسئلة أكثر عما يتعلق بالزواج وإنجاب الأطفال، ومن المهم أن يحرص الوالدين على الإجابة على تساؤلات الأطفال، وعلى إشباع فضولهم حتى لا يلجأ الأطفال إلى مصادر غير آمنة لتحصيل المعلومات. وينصح أثناء الرد على هذه الأسئلة الحساسة بالاحتفاظ بنبرة صوت طبيعية وهادئة، وأن يتم الحديث بموضوعية... وألا يستشعر الطفل حرج والديه من الكلام معه في هذه الأمور حتى يشعر بالأمان في طرح تساؤلاته، وحتى لا يلجأ إلى سؤال أى أحد آخر. وتكون الإجابات مختصرة وبقدر السؤال. وإن شعرت بالمفاجأة من السؤال أو لم تجد لديك المعلومة الصحيحة للرد، فيمكنك أن تكسب وقتا للبحث عن الإجابة المناسبة بأن تخبر طفلك بأنك ستقوم بالرد عليه لاحقا، وقم بتحديد ميعاد الرد له، وتأكد من أن تعود له بالإجابة في الموعد المحدد.
قصة قصيرة: :)
اعتصرتني جنى – ٧ سنوات – اليوم
بأسئلة غير متوقعة... كنت أقف في المطبخ أضع باقي طعام الغداء في الثلاجة حين
أتت بالكتاب الذي أحضرناه من المكتبة للقراءة… كان يبدو كتابا عاديا عن فتاة تحلم
بامتلاك غوريللا، فاشترى لها والدها دمية غوريللا، وعندما نامت حلمت بالغوريللا
وقد كبرت وأصبحت حقيقية وقامت معها بمغامرات… كانت جنى تقرأ وأنا أسمعها وفي نهاية
القصة وجدتها تقول: «انتي بقى مش حتحبي تشوفي الصفحة دي!» قلت لها: «ليه يا جنى هي فيها ايه؟ وريني كده…» فإذا هي صورة الفتاة في نهاية القصة وهي تقبل الغوريللا في فمها! قلت
لها: «هممم… أنا فعلا مش بحب أشوف الصور دي.»
أنا أعلم أن هذه القبلة تشغل
تفكير جنى منذ فترة، فرغم حرصي على ما تشاهده هي وإخوتها من أفلام الكرتون، ورغم
حرصنا أنا وبابا على مراقبة ما يشاهدونه، إلا أنها قد شاهدت هذه القبلة بالفعل
في فيلم كرتوني، وقد أخبرتني أنها أيضا رأت إحدى الأمهات في المدرسة تقبل ابنتها
في فمها. كما حاولت عدة مرات أن تقبلني في
فمي، وكنت أنا في كل مرة أحرك وجهي، وأقول لها أنها يمكنها أن تقبلني على خدي أو
في ناصيتي أو على يدي، كما أقبلها أنا. ولكني الآن رأيت أنه لا مفر من الكلام
بتفصيل أكثر عن الأمر بدلا من أن أتركها لتشبع فضولها بطريقتها، وحمدت الله أني
أعرف جيدا ما علي قوله، وأن علي أن أحافظ على نبرة صوت هادئة وطبيعية كي أوصل لها
الرسائل الصحيحة.
قلت بمرح: «تعرفي يا جنى أصل إن
بنوته تبوس غوريللا دي حاجه صعبة أوي…» ثم بنبرة أكثر جدية: «وبعدين انتي عارفه يا
جنى إن البوسه دي مميزة جدا، وبتعبر عن حب كبير… عشان كده ديننا علمنا إنها هي ينفع تكون مع حد واحد
معين بس. تفتكري مين الحد ده يا جنى؟»
جنى: «أنا وانتي؟»
ماما: «أنا بحبك أوي يا جنى وبحب
أبوسك وأحضنك، بس البوسه دي بتاعت الإتنين المتزوجين وبس… انتي عارفه، مش انتي
مثلا لما بتحبي حد بتبقي نفسك تطبطبي عليه أو تحضنيه؟ نفس الحكاية، لما اتنين
بيحبوا بعض أوي ويتجوزوا ممكن يبوسوا بعض كدا… لكن البوسة دي عشان هي بوسة مخصوصة
بتكون بين الاتنين المتجوزين بس… أصل لو ينفع كل الناس تتبادلها مش حتبقى مخصوصة
خلاص، وبعدين كده في جراثيم كتير أوي ممكن تنتشر فحتكون حاجة غير صحية بالمرة! كمان،
ديننا علمنا إن البوسه دي ليها خصوصية… عشان كده المفروض ماتكنش قدام الناس زي ما
بيحصل في الأفلام… إحنا عندنا حاجات ديننا علمها لنا مختلفة عن اللي عملوا الأفلام.»
جنى: «يعني ايه؟!»
ماما: «يعني مثلا، مش انتي عارفه
إن فيه حاجات ماينفعش حد يشوفنا واحنا بنعملها؟ زي مثلا لو حد حب يستحمى، أو يغير
هدومه.»
جنى: «ليه؟»
ماما: «ربنا سبحانه وتعالى حط في
فطرة الإنسان إنه بيحب يغطي نفسه، وانه مايحبش حد يشوفه وهو بيغير هدومه… مش انتي
عارفه إن سيدنا آدم والسيدة حواء لما أكلوا من الشجرة وبعدين فضلوا يدوروا في ورق
الجنة علشان يغطوا نفسهم؟ هو ربنا سبحانه وتعالى خلانا بنحب نغطي نفسنا وبنحب
نحافظ على خصوصيتنا.»
وكان هذا مدخلا لتوجيه الكلام قليلا لقصة سيدنا آدم
والسيدة حواء وكيف أن الله سبحانه وتعالى خلقهما، وأنهما عاشا في الجنة حتى أكلا
من الشجرة المنهي عنها… وكان لديها المزيد من الأسئلة عن سيدنا آدم وكيف خلقه
الله، ظللت أجيب على أسئلتها، وعندما انتهينا قبلتني وكأنها شعرت بالامتنان لأني
أشبعت فضولها…
وفي النهاية قلت لها: «انتي
عارفه، أنا مبسوطه أوي اننا اتكلمنا مع بعض عن المواضيع المهمة جدا دي…» وتم
الاتفاق بيننا على أنه إن كان لديها المزيد من الأسئلة عن هذه الموضوعات الهامة،
فإنها ستأتي لتتحدث معي عنها.
إلى هنا نصل
إلى نهاية هذا المقال، ونكمل معكم المشكلات والحلول للتربية الجنسية للأطفال من ٦ –
٩ سنوات في المقال القادم إن شاء الله...
تقرأون في المقال القادم:
-
ابني بيحب مُدرسته أو زميلته!
-
"مدرسة
ابني كلمتني وبيقولوا إن ابني اتفق مع أصحابه ونزلوا الشورت لولد معاهم في الفصل!
أنا مصدومة، ومش عارفه أعمل ايه!"