"أعتقد
عن التربية الصالحة أنها هي العملية اليومية لمساعدة الأبناء على تعلم ضبط النفس."
(فريد
روجرز)
اتكلمنا في المقال اللي فات عن
العقاب وازاي إن نتايجه ممكن تكون سلبية... والحقيقة إنه كتير لما بيبدأ الكلام
بسلبيات العقاب الأب والأم بيحسوا إنهم كده حيفقدوا وسيلة تربوية أساسية كانوا
معتمدين عليها وتوارثتها الأجيال من القدم، وده ساعات بيخليهم يحسوا بالعجز… مش
الهدف إطلاقا إننا ننزع الوسائل اللي الأهل بيعتمدوا عليها، لكن الهدف إننا يبقى
عندنا وسائل تدعم التربية بشكل حقيقي يأثر على أبناءنا، ويحافظ على علاقتنا بيهم
على المدى البعيد.
تعالوا مع بعض نبص بنظرة أوسع شويه
من نظرة... لو بحثنا على النقطة اللي كلنا ممكن نتفق عليها أكيد مش حنختلف إننا عايزين نعلم أولادنا يتحملوا المسؤولية
بشكل عام مع التركيز على تحمل مسؤولية أخطاءهم، وأكيد كلنا عايزينهم يتعلموا من
الأخطاء اللي وقعوا فيها عشان ماتتكررش مره تانية... لو الهدفين دول اتحققوا،
حنكون أنجزنا كتير من مهمتنا في تربية أولادنا...
ومن أهم الوسائل البديلة
للعقاب واللي بتساعدنا نوصل للأهداف دي هي إننا نسيب الأطفال يتعلموا من عواقب
أفعالهم... بمعنى إننا نستخدم العواقب بدل العقاب... والعواقب وسيلة من وسائل
تعديل السلوكيات، وهي الوسيلة اللي حنتكلم عنها في المقال ده، لكن هي أكيد مش
الوسيلة الوحيدة.
لما بنيجي نتكلم عن العواقب بنقسهم
لنوعين:
النوع الأول: العواقب
الطبيعية… والعواقب الطبيعية هي العواقب اللي بتحصل دون تدخل من الأهل، وبتتعامل
مع طبيعة الموقف دون تدخل أو سيطرة من الوالدين.
•
أمثلة:
- لو لبس الحذاء في القدم الخطأ، حتوجعه.
- لو خرج بدون "جاكت" في يوم بارد، حيبرد.
- لو اتأخر علي الأكل، هياكله بارد.
- لو مش راضي يشارك مع أصحابه، حيبقوا مش عايزين يلعبوا
معاه.
بس عشان العواقب الطبيعية تلعب دورها في التأثر
فعلا على سلوكيات الطفل، الأب والأم محتاجين فعلا إنهم يوفروا الكلام اللي زي «شفت!» أو «مش
قلت لك؟!»
الكلام اللي من النوع ده بيخلي العلاقة بين الوالدين والطفل كأنها علاقة خصومة،
والأغلب إن الطفل حيعيش دور الضحية ويحس إن مافيش حد حاسس بيه، ده غير إنه بيتنافى
مع قيمة التعاطف اللي بنكون عايزين نعلمها لأولادنا…
بتحصل أوقات إن الوالدين يلاحظوا إن العواقب
الطبيعية لوحدها ماكنتش كفايه في تعليم الدرس... لو ده حصل، وكانوا عايزين فعلا
يتدخلوا تدخل إيجابي يدعم تأثير العواقب الطبيعية، يُنصح بالآتي:
١) ابدأ بالتعاطف مع الطفل: «هممم…
انت كان نفسك الأكل يكون لسه دافي!»
أو «انت زعلان
عشان أحمد مش عايز يلعب معاك؟»
التعاطف بيخلي الطفل يحس إن باباه
ومامته معاه في جبهة واحدة، وده حيحفظ العلاقة بينهم، ويساعده إنه يتعلم الدرس.
٢) ممكن نسأله أسئلة فضولية تخليه يفكر في الدرس
اللي ممكن يتعلمه: «تفتكر رجلك وجعاك ليه؟» أو «الجو كان أخباره ايه النهارده في
المدرسة؟ كنت دفيان؟» أو «هو ايه اللي حصل وانتو بتلعبوا؟»… «أنا كنت شايفه إن
صاحبك كان نفسه ياخد دور على اللعبة. لو كان هو اللي بيلعب، وانت عايز دور، كنت
تحب إنه يعمل ايه؟»
الأسئلة من النوع ده طول ما هي
بنبرة صوت محايده، بتساعد الطفل إنه يفكر، والتفكير حيخليه يتعلم الدرس.
لكن !!! نعمل ايه
لو العواقب ممكن تعرض الطفل أو صحته للخطر، زي:
•
طفل صغير
بيجري في الشارع.
•
طفل بيخبط
نفسه أثناء نوبة الغضب.
•
طفل مش
راضي ياخد الدواء.
في الحالات دي أكيد الأهل لازم يتدخلوا لحماية
الطفل وبعدين ممكن مناقشة مدي خطورة الفعل بعدها لو كان السن الطفل مناسب.
النوع الثاني: العواقب
المنطقية:
في حالة غياب العواقب الطبيعية، أوقات بيحتاج
الأهل للتدخل بشكل مباشر عشان يتأكدوا إن ابنهم/بنتهم اتعلموا الدرس، وهنا بييجي
دور العواقب المنطقية... حددت د. جان نلسن في كتابها "التربية الإيجابية" أربع شروط بتميز العواقب المنطقية:
•
الشرط
الأول:
انها تكون مرتبطة بالسلوك... الهدف من العواقب إن الطفل يتعلم قيمة أو درس مستفاد.
مثال:
لو بنتي أتلفت كتاب أخوها بطلاء الأظافر، يبقى حتضطر إنها تجيب لأخوها كتاب بداله.
وبكده، حتتعلم قيمتين:
إنها تصلح ما أتلفته، وإن القراءة متنفعش مع طلاء الأظافر! J وأكيد ده
هيفيدها أكتر من إنها تتوبخ أو تتحرم من طلاء الأظافر.
أمثلة تانية:
- لو بينسى الزمزمية، جايز يضطر يروح المدرسة من غيرها،
أو يساهم في جزء من ثمنها من مصروفه.
- لو مالحقش يخلص الواجب يبقى حنضطر نستنى في البيت لحد
ما يخلصه قبل ما نروح النادي.
- لو بيطلب حاجه بلهجة مش مناسبة، يبقى ماما مش حتقدر
تنفذها لحد ما يعيد الطلب بكلمات ونبرة صوت فيهم احترام.
- لو بيعيط في محل اللعب، حيحتاج يختار بين إنه يخلي
العياط يمشي، أو إننا حنضطر نمشي من المحل من غير ما يشتري أي اللعبة.
وبيكون
مفيد جدا إننا نشجع الطفل على التفكير في حل المشكلة، وممكن العواقب المنطقية تيجي
من خلال جلسة حل مشكلات مع الطفل في مواقف زي إنه يضيع حاجه، أو إن مايلحقش يخلص
الواجب، أو يجهز في المعاد... وده مش بس بيساعد في إن الطفل يتعلم يتحمل مسؤولية
غلطته، لكن كمان بينمي مهاراته في التفكير، واتخاذ القرار... وممكن من خلال الحوار
في جلسة حل المشكلات نوصله قيم مهمة زي قيمة الصدق، والضمير، ومراعاة مشاعر
الآخرين، وغيرها من القيم اللي بنحتاج نغرسها في أطفالنا.
•
الشرط
الثاني:
إنها تكون بتحترم الطفل... يعني بتحافظ على كرامته ومش بتهينه. والفرق كله بيحصل
باختيارنا لكلمات ونبرة صوت هاديين قدر الإمكان..... مثلا، ممكن الأب يقول: «أنا آسف إن القلم الجديد ضاع، لو عايز قلم تاني محتاج
تشتريه من مصروفك!»
كده الكلام اتقال ووصل الدرس باحترام... أصل لو اجتمع مثلا الزعيق والبستفه مع
العاقبة المنطقية، قدرة الطفل على التفكير والتعلم من الدرس مش حتكون بنفس
الفاعلية، ده غير إنه حيبقى أكننا بنعاقب الطفل مرتين على نفس الفعل؛ مرة بالزعيق،
ومرة تانية بالعاقبة.
عشان نتأكد من قدرتنا على الحفاظ
على الهدوء بتكون فكرة كويسة إننا ناخد وقت للتفكير قبل ما نتكلم أو نقرر... ممكن
ببساطه نقول:
"أنا غضبانه
جدا دلوقتي، ومش حقدر أتكلم... ممكن نتكلم كمان نص ساعة لما أكون هديت."
•
الشرط
الثالث:
إنها تحل المشكلة... زي ما قلنا الهدف من العاقبة إن الطفل يتعلم يتحمل مسؤولية
أفعاله، ومش الهدف إننا نسبب له ألم وخلاص... فمثلا، لو هو دلق مياه، يبقى الطبيعي
إنه ينشفها، أو حتى يساعد في تنشيفها لو كان لسه سنه صغير على إنه يقوم بالمهمة
لوحده... لو عمل كركبه، يبقى حيروق... لو أخد حاجه مش بتاعته، يبقى لازم يرجعها
لصاحبها... ممكن يكون محتاج دعم معنوي عشان يقدر يتشجع ويعمل الصح، وده جزء من
دورنا في التربية، إننا نقف جنب ولادنا وهم بيصلحوا أخطاءهم، لكن مش إننا نصلحها
بدلهم.
•
الشرط
الرابع:
هي إن العواقب تكون معقولة مافيهاش مبالغة عشان الطفل
يتعلم منها فعلا... بمعنى إن مش معقول الطفل مثلا يتحرم من المصروف لمدة شهر عشان
جاب درجة مش كويسه في الامتحان، ولا إنه يتحرم من خروجة العيلة الأسبوعية عشان زعق
لأخته.
لو العواقب ماكنتش منطقية، ذات صلة بالموقف،
فيها احترام للطفل، وموضحة من قبل التنفيذ، يبقي ده عقاب متخفي في صورة عواقب
والطفل مش هيطلع من الموقف متعلم أي حاجة...
أخيرا، نرجع تاني نؤكد على إن استخدام العواقب
وسيلة من الوسائل اللي ممكن تكون على بداية طريق دعم السلوكيات الإيجابية، وإن فيه
وسائل تانية غيرها... ونؤكد كمان على أهمية مراعاة قدرات الطفل وسنه في إنه يتعلم
من الموقف ومن العواقب... ولو كان السلوك الخاطئ بيتكرر بمعدل عالي، فجايز ده
بيقولنا إن الطفل عنده احتياجات محتاجة تُلبى، زي احتياجه للإحساس بالأمان، أو
بالإنتماء... وممكن تكرار الخطأ يكون راجع لإنه فعلا محتاج يتعلم مهارة معينة
بصورة مباشرة، ومنظمة، زي مهارة إدارة الوقت، أو السيطرة على الغضب، أو زيادة
القدرة على التركيز.
وزي ما قال ألبرت أينشتاين : "إذا أصبح الناس صالحون فقط لأنهم
يخشون العقاب، ويرجون المكافأة، فيجب أن نكون حقا آسفين."
بقلم: ليلى لاشين
مها عادل